الجمعة، 8 فبراير 2013

السـرطان: الأيض.. في مقعد السائق

السـرطان: الأيض.. في مقعد السائق

يتزايد الاقتناع بأنّ التغيّرات الأيضيّة الحادثة في الخلايا السرطانيّة قادرة على الدفع بتكوّن الورم، وقد عزّز من هذه النظرة ما تمّ التوصّل إليه من أنّ بروتين «سيرت6-» أو SIRT6 يعمل على تثبيط تكوّن الورم عبر تنظيم عمليّة الأيض.
Nature 
يُرافق عمليّة تكوّن الأورام السرطانيّة عمليّات مكثّفة من إعادة البرمجة لأيض الطاقة الخلويّة1؛ حيث يصحب هذه التغيّرات السرطانيّة تحوّل أيضي يُطلق عليه «تأثير واربرج» Warburg effect، يقوم بدوره بتنشيط عمليّة التحلّل السكرّي عبر مسار كيميائي حيوي يعمل على تعزيز نمو الورم عبر توفير ودعم المتطلّبات المرتفعة للخلايا السرطانية من الطاقة والتخليق الحيوي، وقد أثبتت براهين النمو السرطاني أنّ اتّجاه ذلك التحوّل بعيدًا عن التحلّل السكّري قد يُمثّل استراتيجيّةً ناجعةً لتثبيط نمو الورم السرطاني، وهو ما قدّم عليه سيباستيان وزملاؤه2 في دوريّة «الخلية» Cell مزيدًا من الأدلّة؛ حيث أشاروا في كتاباتهم بها إلى أنّ البروتين «سيرت-6» يقي دون تكوّن الأورام، عن طريق مجابهة البرامج الأيضيّة المنشّطة للتكوّن السرطاني. وما يُثير الانتباه أنّ ذلك البروتين ليس إنزيمًا أيضيًّا تقليديًّا، ولكنه عبارة عن بروتين يقوم بتنظيم تكامل وسلامة التعبير الجيني3؛ حيث يرى سيباستيان وزملاؤه أنّ البروتين «سيرت-6» يمكنه عبر التنظيم الجيني أن يعمل كعقدة أيضيّة رئيسة يُمكن استهدافها لمكافحة السرطان.
تشتمل عمليّات نشأة وتقدّم الأورام على خطوات عديدة، تقوم الخلايا في أثنائها باكتساب عديد من البصمات المميّزة للسرطان، ومنها مقاومة الموت الخلوي والهروب من إشارات النمو والتثبيط، وهو ما يسمح لها بتخطّي نقاط الفحص الطبيعيّة أثناء عمليّة التكاثر الخلوي4. وقد أظهرت الأبحاث المتتالية التي أُجريت على الخلايا المستنبتة أنّ مسارات خلويّة عديدة يجب أن تخضع لاضطراب يُضفي بدوره الطبيعة السرطانيّة على تلك الخلايا5؛ ففي الخلايا الجذعية الجنينيّة للفئران (MEFs) قد يتسبّب تعطيل جين واحد من الجينات المثبّطة للأورام إلى التأبيد الخلوي، وهو الخاصيّة المميّزة للخلايا السرطانيّة بالانقسام دون توقّف، ولكن جدير بالذكر أنّ هذه الخلايا لا تكون سرطانيّة ولا تتسبّب في تكوين أورام عند زراعتها في داخل الفئران، مالم تحدث اضطرابات أُخرى لمسارات إضافيّة أُخرى، سواءً كانت مثبّطةً أم معزّزةً لتكوين الأورام.
وقد اكتشف سيباستيان وزملاؤه أنّ نقص البروتين «سيرت-6» أو SIRT6 يُمثّل «دفعةً» إضافيةً للزج بالخلايا الجذعية الجنينيّة للفئران (MEFs) المؤبّدة نحو التحوّل لتصبح خلايا سرطانية، كما تمكّنوا من ملاحظة زيادة فرص تكوّن ونمو أورام القولون والمستقيم السرطانيّة في فئران التجارب عند نقص ذلك البروتين في الخلايا السرطانيّة، وبالتالي فإنّ فقدان البروتين «سيرت-6» يعمل على تعزيز عمليتي نشأة وتقدّم الأورام السرطانيّة (الشكل 1)، وهو ما يتماشى بشدّة مع الاكتشافات السابقة الّتي اعتبرت ذلك البروتين أحد مُضادّات نشوء الأورام السرطانيّة6 وأحد عوامل التحكّم في عديد من مسارات تثبيط الأورام3.
<p><b>الشكل 1</b> على الطريق نحو السرطان. لكي تتحوّل خليّة طبيعيّة لتُصبح خليّة سرطانيّة لا يجب تحوّلها للتأبيد فحسب وإنّما باكتساب القدرة على الانقسام إلى مالا نهاية عبر الهروب من مواضع الفحص الخلوي بالإضافة إلى غير ذلك من التغيّرات السرطانيّة وبالتالي تستطيع الخلايا السرطانيّة التطوّر لتكوّن الأورام بدورها، ويُشير سيباستيان وزملاؤه إلى قدرة البروتين سيرت-6 على الوقاية من نشوء وتقدّم السرطان عبر تثبيط العمليّات الأيضيّة المرتبطة بالسرطان مثل التحلّل السكّري وتخليق البروتينات، وتطرح الأدوار الّتي يلعبها البروتين سيرت-6 ؛ حيث يُمكنه الإسهام في تثبيط الأورام في المراحل الأخرى من تطوّر السركان (الخط المتقطّع).&nbsp;</p>
الشكل 1 على الطريق نحو السرطان. لكي تتحوّل خليّة طبيعيّة لتُصبح خليّة سرطانيّة لا يجب تحوّلها للتأبيد فحسب وإنّما باكتساب القدرة على الانقسام إلى مالا نهاية عبر الهروب من مواضع الفحص الخلوي بالإضافة إلى غير ذلك من التغيّرات السرطانيّة وبالتالي تستطيع الخلايا السرطانيّة التطوّر لتكوّن الأورام بدورها، ويُشير سيباستيان وزملاؤه إلى قدرة البروتين سيرت-6 على الوقاية من نشوء وتقدّم السرطان عبر تثبيط العمليّات الأيضيّة المرتبطة بالسرطان مثل التحلّل السكّري وتخليق البروتينات، وتطرح الأدوار الّتي يلعبها البروتين سيرت-6 ؛ حيث يُمكنه الإسهام في تثبيط الأورام في المراحل الأخرى من تطوّر السركان (الخط المتقطّع).
كبر الصورة
وقد ساعد تحليل قواعد بيانات الأورام البشريّة سيباستيان وزملاءہ على التحقّق من الفكرة القائلة بأنّ البروتين «سيرت-6» يعمل كمثبّط أساسي للنمو السرطاني؛ فقد تعرّفوا على الكثير من الحذف ضمن جينات ذلك البروتين، بالإضافة إلى الانخفاض الشديد في مستويات الحمض النووي الريبوزي الخاص به في الحالات المُصابة بأورام البنكرياس والمستقيم. كما تمكّنوا من إظهار الدّور الذي يلعبه انخفاض مستويات ذلك البروتين في النتائج السيّئة التي يقابلها هؤلاء المرضى. وجدير بالذكر أن هذه النتائج لها تأثيرات إكلينيكية تطبيقيّة، منها: قد يعمل التعبير الجيني عن البروتين «سيرت-6» كدلالة حيويّة للتنبّؤ بمآل الأورام السرطانيّة، كما قد تعمل مركّبات تنشيط البروتين كعقاقير فعّالة لعلاج السرطان. والحقيقة أنّ البروتين «سيرت-6» يتمتّع بعدد من المزايا الّتي تجعل منه هدفًا دوائيًّا واعدًا؛ وبخاصّة ما يتميّز به من طبيعته كإنزيم عالي الانتقائيّة، يقوم بإزالة مجموعات الأسيتيل من القليل من البروتينات فحسب3، كما تتطابق جميع وظائفه الخلويّة المعروفة مع الآثار النافعة في سياق علاج السرطان. ولذا.. فقد يحمل التنشيط العلاجي البروتين سيرت-6 أعراضًا جانبيّة تقل عن تلك الناشئة عن تعديل نشاطات المزيد من الإنزيمات المتحلّلة.
هناك أيضًا نمو مطّرد في الأدلة على الدّور الّذي تلعبه مثبّطات الأورام في التحكّم بعديد من النواحي البيولوجيّة الخاصّة بالسرطان. وليس البروتين سيرت-6 بمنأىً عن تلك التطوّرات (الشكل 1)؛ حيث يحول دون انكسار الكروموسومات، أو إعادة الارتباط غير الطبيعي، بالإضافة إلى تعزيز عمليّة إصلاح الحمض النووي DNA كجزء من الأنشطة الّتي تحول دون حدوث طفرات تدفع بعمليّة تقدّم الأورام السرطانيّة، فضلًا عن تنظيم برامج التعبير الجيني الّذي يلعب دورًا مهمًّا في تكوّن وتطوّر الأورام السرطانيّة؛ فعلى سبيل المثال.. يحول البروتين «سيرت-6» دون التنشيط الجيني الزائد بواسطة المركّب NF-κB، أحد عوامل النسخ الّتي تعزّز من التكاثر الخلوي، ومقاومة إشارات الموت الخلوي، فضلًا عن العمليّات الأيضيّة والالتهابيّة التي تعزّز من نشوء ونمو الأورام. ويُشير سيباستيان وزملاؤه إلى تأثير تثبيطي آخر للبروتين «سيرت-6»، يتمثّل في الحد من التعبير عن الجينات المُتضمّنة في عمليّة تصنيع البروتينات الّتي يتم تنشيطها بواسطة الجين السرطاني «MYC» المعزّز للنمو السرطاني.
ورغم هذه الآليات وغيرها من آليات تثبيط الأورام الّتي يُمكن للبروتين «سيرت-6» القيام بها، فإنّ ما يقترحه الباحثون هو التغيّرات الأيضيّة الناتجة عن تثبيط هذا البروتين الضروري لتحويل تلك الخلايا إلى سرطانيّة؛ فمن المؤكّد أنّ بروتين «سيرت-6» يقوم بمنع تنشيط الجينات بواسطة المركّب HIF1، أحد عوامل النسخ الّتي تقوم بتنشيط الإنزيمات الرئيسة في عمليّة التحلّل السكّري، كما تزيد من امتصاص الجلوكوز بواسطة الخلايا. ويُظهِر الباحثون أن انعكاس التحلّل السكّري المتزايد في الخلايا السرطانيّة ناقصة بروتين «سيرت-6» ـ عن طريق تثبيط إنزيمات التحلّل السكّري، أو إعادة تقديم البروتين «سيرت-6» ـ قد يقلّل من قابليّة تلك الخلايا للتحوّل السرطاني.
وجدير بالذكر أنّ ممّا يقترحه سيباستيان وزملاؤه أنّ زيادة التحلّل السكّري الناتج عن فقدان البروتين «سيرت-6» كاف بذاته لنشوء ونمو الأورام، حتّى دون حدوث تغيّرات سرطانيّة اُخرى، وهو ما سيُعدّ استثناءً، حيث سيكون تغيّر جيني واحد كافيًا لتحويل الخلايا الطبيعيّة إلى خلايا سرطانيّة على النقيض من القاعدة الّتي تشترط حدوث اضطرابات في عدد من المسارات لحدوث التحوّل السرطاني. لذا.. فإنّ ثبوت مثل هذا الاستثناء قد يضع التغيّرات الأيضيّة المرتبطة بفقدان البروتين سيرت-6 كدافع قوي للتحوّل السرطاني، يفوق في تأثيره أغلب الطفرات المعروفة بالفعل.
وعوضًا عن ذلك فإنّ التأثيرات الأخرى الناتجة عن فقدان البروتين «سيرت-6» على مسارات تثبيط الأورام قد تعزّز بدورها من المراحل الأولى من التطوّر السرطاني، ولذا.. فمن الضروري أن يُبذل المزيد من الجهد لمعرفة مدى إسهام الوظائف المختلفة للبروتين «سيرت-6» في الوقاية من السرطان، وكيف تتداخل هذه الوظائف مع التحكّم الأيضي الخلوي, كما يجب تحديد ما إذا كان فقدان البروتين «سيرت-6» يتسبّب في نشوء الورم تلقائيًا في الحيوانات. وقد أُجريت دراسة7 هذا العام لتقييم نقص البروتين «سيرت-6» في الفئران لمدّة بلغت 17 شهرًا من العمر، وتمثّلت المفاجأة في غياب أيّة براهين على تكوّن ونمو الأورام. ورغم الأعداد الضئيلة للفئران الّتي خضعت للفحص، فإنّ تلك الملاحظات قد بدت غريبةً، مقارنةً باحتماليات التحوّل السرطاني للخلايا ناقصة البروتين «سيرت-6» الّتي وصفها سيباستيان وزملاؤه بما يجعل من الدراسات الجماعية الكُبرى للفئران ناقصة البروتين «سيرت-6» أمرًا ضروريًا للوصول إلى نتيجة نهائيّة فيما يتعلّق بالطرح.
ما هي الآليات الجزيئية الكامنة وراء التغيّرات الأيضيّة الّتي تُصيب الخلايا ناقصة البروتين «سيرت-6»؟ يلعب كل من مساري المركّبين HIF1 وMYC أدوارًا محوريّةً في البرمجة الأيضيّة للخلايا السرطانيّة والإشارات الّتي يحملها المركّب NF-κB، إضافة إلى عدم الاستقرار الجيني، وهي الأدوار الّتي تعزّز من عمليّأت التحلّل السكّري1,6، فربما حال بروتين «سيرت-6» دون إعادة التوجيه الأيضي في نشوء وتطوّر السرطان عبر عديد من المسارات التي ربما كانت مسهبةً أو عاملةً في أنواع بعينها من الخلايا، أو في ظروف فسيولوجيّة معيّنة.
ويرى سيباستيان وزملاؤه أنّ تثبيط عمليّة التحلّل السكّري قد تُستخدم في علاج الأورام الّتي تتميّز بانخفاض مستويات البروتين «سيرت-6». وما يُثير الاهتمام هو الاعتقاد الناتج بأنّ تنشيط بروتين «سيرت-6» قد يُؤدّي دورًا علاجيًّا مفيدًا، حتّى في الأورام الناشئة، دون حدوث تغيّرات في البروتين سيرت-6 ؛ فعند زيادة كميّة أو نشاط البروتين سيرت-6، تقل احتماليّة التحوّل السرطانيّ للخلايا المتحوّرة بواسطة غيره من الأسباب السرطانيّة، وهو ما قد يؤدّي في النهاية إلى استغلال تنشيط البروتين «سيرت-6» في تثبيط السرطان على نطاق واسع. وجدير بالذكر أنّ البروتين «سيرت-6» يعمل على إضعاف عمليّات الشيخوخة الّتي تصيب الخلايا، كما أنّ زيادة نشاطه في الفئران قد يزيد من عمرها الافتراضي3,8. لذا.. فإنّ تنشيط البروتين «سيرت-6» قد لا يمثّل استراتيجيّةً لمكافحة السرطان فحسب، وإنّما قد يصبح تداخلًا طبيًّا وقائيًّا على مدار العمر.
  1. Levine, A. J. & Puzio-Kuter, A. M. Science 330, 1340–1344 (2010).
  2. Sebastián, C. et al. Cell 151, 1185–1199 (2012).
  3. Tennen, R. I. & Chua, K. F. Trends Biochem. Sci. 36, 39–46 (2011).
  4. Hanahan, D. & Weinberg, R. A. Cell 144, 646–674 (2011).
  5. Hahn, W. C. et al. Nature 400, 464–468 (1999).
  6. Min, L. et al. Nature Cell Biol. 14, 1203–1211 (2012).
  7. Xiao, C. et al. J. Biol. Chem. 287, 41903–41913 (2012).
  8. Kanfi, Y. et al. Nature 483, 218–221 (2012).
  1. Division of Endocrinology, Gerontology and Metabolism, Stanford University School of Medicine; and at the VA Palo Alto Health Care System, Geriatric Research, Education and Clinical Center, Palo Alto California 94304, USA

    • لويزا تاسيلي,
    • كاترين ف. شوا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق