الجمعة، 15 فبراير 2013

الأكاديمية: خارج دائرة الوظائف الثابتة

الأكاديمية: خارج دائرة الوظائف الثابتة

الرغبة في تحقيق أهداف شخصية، والهروب من ضغوط التعليم الجامعي، أو الخروج من دوامة المطالبة بمنح تمويلية، تُقنع بعض الأساتذة الجامعيين الأمريكيين بالتخلي عن أمان المناصب الثابتة.
كندال باول
على شاطئ مانتولوكنج في نيوجيرسي في صيف 2011، امتدت أمام كولن بِرينتون احتمالات طلبه إجازة من وظيفته بالتعليم الجامعي. بِرينتون ـ الذي كان حينها عالِمَ أحياء تطورية في سوارثمور كوليدج ببنسلفانيا ـ كان ينوي البقاءَ في الحرم الجامعي، وكاد يصاب بالدُّوار لدى تفكيره بجميع المشاريع البحثية التي كان قد خطَّط لها قبل تخرجه من الجامعة ـ قبل أن تقطعها أيّ واجبات تدريسية أو خدمية ـ ولم تُحَقَّق، ثم هزَّه خاطِرٌ فاجأه، كضربة بكتاب من 600 صفحة، لم يشعر حينها بالرغبة في العودة إلى تلك الواجبات عند انتهاء العام الجامعي، بعد أن قادته إلى الكثير من الليالي البائسة والتوتر العائلي.
في اليوم التالي، سأل بِرينتون زوجته ـ المعيل الرئيس للعائلة ـ عن رأيها في تقديمه استقالته من وظيفته؛ وملازمته المنزل لرعاية ولدَيهما. كانت الزوجة تحلّ أحجية سودوكو، فنظرت إليه وأجابت: «افعل ما يحلو لك». ومما سهَّل على بِرينتون قراره.. المعاناة التي كان يعانيها في الجامعة؛ فتركَ وظيفته التي ثُبّت فيها، وسنواته الأربعة عشر التي أمضاها في سوارثمور.
Credit: C. J. BURTON/CORBIS
وبالنسبة إلى عديد من العلماء في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يشيع التثبيت الوظيفي على نحو يفوق غيرها من الدول، يأتي هذا القرار مصحوبًا بقلق أشدّ بكثير؛ فَتَرْكُ هؤلاء العلماء مراكز وظيفية، جاهدوا عقودًا من الزمن لبلوغها ـ في الغالب مرغوبة بوصفها ذروة الإنجاز الأكاديمي ـ يشكِّل خطوة عظيمة. هذه الخطوة أيضًا قد تترك زملاءهم في العمل مندهشين وغيورين ومتألِّمين، وقد تدفعهم أحيانًا إلى التفكير في الأسوأ، فيتبادر إلى مخيلتهم أن الأستاذ الذي ترك وظيفته أساء السلوك في البحث العلمي، أو وقع في علاقة غرامية مع أحد الطلاب، أدَّت إلى استقالته من مركزه. ومن خلال مقابلات أجرَتها «نيتشر» مع أساتذة جامعيين تركوا مراكزهم الوظيفية الثابتة في العقود الماضية، وجدَت المجلة أن أسباب اتخاذهم هذه الخطوة تُراوح ما بين الأسباب الشخصية البحتة ـ عدم وجود فرص للزواج في مدينة جامعية صغيرة ـ إلى الأهداف الأسمى، المتمثلة في صوغ السياسة العلمية، أو التعليمية الوطنية.
معظم الأساتذة الجامعيين الذين قابلَتهم «نيتشر» تقريبًا أرادوا العيش في مكان أنسَب، ما يُعَدّ مؤشرًا إلى أن وجهة النظر القائلة إن على الأكاديميين «الذهاب إلى حيث توجد الوظائف» ـ وهي وجهة نظر عفا عليها الزمن ـ قد لا تُحقّق رضا وظيفيًّا طويل الأمد. وقد سعى بعض الذين تركوا وظائفهم التعليمية الثابتة إلى تعزيز التوازن بين عملهم وحياتهم العائلية، أو هم أرادوا العيش في بيئة أفضل للبحث العلمي. وشدَّد معظمهم على أن زملاءهم في العمل لم يدفعوهم إلى المغادرة، بل على العكس من ذلك.. كان رفاق القسم الموهوبين الشغوفين يلقَون بالغ التقدير، لكن الدليل واضح.. «التخلي» عن التثبيت الوظيفي الذي كافح هؤلاء لنَيله هو بالفعل الخطوة الصحيحة في نظر بعضهم. وفيما يلي، يشرح أربعة باحثين أسباب سعادتهم بتخليهم عن تلك المراكز الوظيفية المرغوب فيها.
«لقد كان القرار الذي اتخذته بترك العالَم الأكاديمي صعبًا جدًّا، ومازلتُ أتصارع معه» كريستوف كوش
«لقد كان القرار الذي اتخذته بترك العالَم الأكاديمي صعبًا جدًّا، ومازلتُ أتصارع معه» كريستوف كوش
Credit: ALLEN INST. FOR BRAIN SCIENCE

الأعباء التدريسية الزاحفة

انبثق تفكير بِرينتون في ترك سوارثمور من مناقشات حول كيفية مجاراة المتطلبات التدريسية والتوجيهية لقسم تتزايد أعداد الطلاب المنتمين إليه بسرعة. يقول بِرينتون: «كان قسمنا يتفاخر بتحويله طلابنا إلى مُحِبِّين لعلم الأحياء لآخر يوم في حياتهم».
في بداية سنة 2011، سلَّم أعضاء هيئات تدريس في جامعات أخرى تقريرًا فيه مراجعة للنشاطات التي قام بها قسم علم الأحياء في جامعة سوارثمور خلال عشر سنوات. وأظهر التقرير الكمَّ المتنامي للعمل مع زيادة متطلبات الطلاب، مما أدى إلى كثرة المقررات الدراسية النظرية والمخبرية، وتزايد الطلب على رسائل توصية، وعلى الاجتماعات بالطلاب، وازدياد ساعات البحث العلمي والتوجيه في فصل الصيف، والوقت الإضافي المستنفَد في التسهيل على الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
أمضى بِرينتون، المحاضر شديد الحساسية، أيضًا ساعات في تصفُّح مواقع على شبكة الإنترنت، مخصَّصة لإعداد مقررات تعليمية تفاعلية، مثل موقعَي «بلاكبورد»، و«موودل». كان بِرينتون يحب التدريس، إلا أن الإعداد له، والأعمال المكتبية التي يتطلبها كانا يغرقانه، (وفي هذه السنة، قررت سوارثمور التخفيف من الأعباء التدريسية في كلياتها، بخفض المقررات التعليمية من خمسة مقررات في اليوم إلى أربعة).
زوجة بِرينتون طبيبة ومحلِّلة لبيانات السلامة في شركة عالمية لصناعة الأدوية ـ شركة «جونسون آند جونسون» ـ في هورشام ببنسلفانيا، والوقت المتاح لها كي تصل إلى مقر عملها هو ساعة واحدة، ومركزها الوظيفي المتقدّم يعني أنها «متصلة بعملها» على مدار الساعة تقريبًا، ما يجعل من بِرينتون الوالد الأساسي الراعي لابنتهما (التي تبلغ الآن من العمر 12 سنة)، وابنهما (14 سنة). بينما كانت زوجته تعتلي السلَّم الوظيفي في الشركة، وتزداد مسؤولياته الإدارية والتدريسية، أصبح الوضع غير محتمل؛ حيث يَصِفه بِرينتون بالقول: «كانت الأمور تسير، لكنها لم تكن ممتعة».
حين استقال من منصبه في سوارثمور الخريفَ الماضي، لم يصدّق عدد كبير من زملائه ما حدث، وما زال بعضهم يسألونه ـ حين يلتقي بهم في الطريق ـ عن أوان عودته من «إجازته». يقول بِرينتون إن عديدًا من الأساتذة في العالَم الأكاديمي يستطيعون إيجاد «توازن مستدام سعيد»، ولكن دائمًا ما تكون زوجاتهم لديهن جدول أكثر مرونة يتيح التواجد بالمنزل. وقد لا يكون لديهم أولاد، وربما يكون لديهم أولاد، ولكنهم قد بلغوا بالفعل. ويضيف قائلاً: «كان من الصعب عليَّ إيجاد ذلك التوازن في قسم، كان كل مَن فيه على شفير الجنون، حتى حين كانت ظروف معظمهم أنسَب من ظروفي المنزلية».
يحذِّر بِرينتون العلماء الشبّان من أن المراكز الوظيفية الثابتة تتطلب تضحيات شخصية، لا سيما في حالة عمل الزوجين. يقول: «لم يكن لدى أيّ من الأساتذة في سوارثمور متَّسع من الوقت في المختبرات، يمضونه في الاطلاع على التحديثات الأخيرة للمشاريع العلمية، أو النظر في البيانات، أو وضع رسم تخطيطي؛ وكان يختار عددٌ كبير من أعضاء هيئة التدريس الذهاب إلى الجامعة في عطلات نهاية الأسبوع، أو ليلاً، وقد فعلتُ الأمر نفسه أيضًا حين كان ولداي أصغر سنًّا من أن يهتمّا».

تسلُّق القِمَم

كريستوف كوش، عالِم ريادي في دراسة الوعي، أمضى جزءًا كبيرًا من السنوات الخمس والعشرين الماضية معتقدًا أنه لن يغادر مكتبه في «معهد كاليفورنيا للتقنية Caltech» في باسادينا إلا محمولاً. فقد كان يعشق نمط الحياة الأكاديمية المحضة، والعمل مع الطلاب الأذكياء والعقول العلمية الفذّة، وقيادة مجموعة من 25 شخصًا، ونشر بحوث علمية عظيمة الأثر.
في عام 2011، تزامن انفصاله عن زوجته مع رغبته في خوض تَحَدٍّ جديد، وتغيير الأوضاع. يقول كوش: «بصفتي متسلِّق جبال، أقول إنني أبحث عن «أنّا بورنا جديدة»»، مشيرًا إلى قمة جبلية سيئة السمعة في نيبال، علوّها 8,091 مترًا.
ويضيف كوش: «لقد كان القرار الذي اتخذته بترك العالَم الأكاديمي صعبًا جدًّا، وما زلتُ أتصارع معه»، لكن معهد (آلن) لعلوم الدماغ في سياتل بواشنطن بحاجة إلى رئيس علمي ليرأس 250 باحثًا، عملوا عشر سنوات لتحديد العمليات الداخلية في القشرة الدماغية البصرية للفئران، بتمويل أساسي قدْره 300 مليون دولار أمريكي. وقد شعرَ كوش أن هذه المنظَّمة كانت تُقدِّم له أسلوبًا جديدًا لممارسة العلوم العصبية.
يقول كوش: «هذا شيء لن تستطيع القيام به في الجامعات»، وهو يرى أن المتخصصين في العلوم العصبية في العالَم الأكاديمي يميلون إلى معالجة المسائل في وحدات مخبرية صغيرة للأبحاث، وليس في مشاريع تُنفّذها فِرَق كبيرة، ويرى كوش أن هذا الأسلوب يكافئ على الاكتشافات الفردية، إلا أنه يقدّم طرائق قليلة لدمج المكتشَفات في قوالب شاملة.
يشير كوش إلى أن «هذه النقلة حدثت قبل 50 سنة في الفيزياء. إنه تَحَدٍّ عظيم، قد يبوء بالفشل في العلوم العصبية». وفي النهاية، فالابتكار هو ما يؤمن النشر وشهادة الدكتوراة والمِنح التمويلية، والتثبيت الوظيفي في التعليم الجامعي. يقول كوش مشيرًا إلى الدماغ على وجه الخصوص: «لا أعتقد أن النظام الأكاديمي معطَّل، فهو يقدّم إجابات مذهلة، إنه فقط بحاجة إلى استكمال عند تعامله مع أمور معقدة؛ لا يمكن تصوّرها».
كان اليوم الأخير لكوش في عمله في باسادينا هو الثامن من أبريل. ويعلِّق على الأمر مداعبًا: «ستجرّدني (كالتك) من رداء سوبرمان، وسأصبح مجرد رجل فانٍ غير مثبَّت في وظيفته، كغالبية البشر على هذا الكوكب». ويضيف أن الجامعات قد تستفيد من قدْر أكبر من المحاسبة على المواعيد النهائية والأحداث المهمة، كتلك التي سيتوجب عليها الالتزام بها في عمله في معهد (آلن) على إصدارات البيانات على شبكة الإنترنت. وفيما يتعلق بتخليه عن تثبيته الوظيفي، يقول كوش: «أنا أهوى المخاطرة». لقد آن الأوان لتسلق قمة جديدة.

وقت للبحث العلمي

حين تبوّأت عالِمة الرياضيات يوجيني هنسيكر منصبًا تدريسيًّا تنافسيًّا في جامعة لورانس في آبلتون بويسكنسن، مباشرةً عقبَ إنهائها أطروحتها للدكتوراة، لم تتخيل أنها ستشتاق إلى بحثها العلمي إلى هذا الحد.
وبعد خمس سنوات، وفي الوقت الذي أصبحت فيه هنسيكر حاضرة للتثبيت الوظيفي في جامعة لورانس، أدركت أنها كانت تريد فعليًّا منصبًا في جامعة تركِّز على البحث العلمي. تقول: «بما أن وظائف التدريس الجامعي لا تبقى شاغرة، كانت هذه الوظيفة جيدة نوعًا ما، لكن لم يكن بمقدوري العمل على بحثي العلمي بالقدر الذي أردتُه، لأنه لم يكن هناك خِرِّيجون»، وهو أحد متطلبات عملها على معادلات تفاضلية جزئية صعبة، قد تصوغ تطوّر العمليات أو الجُسَيمات في النُّظم الفيزيائية أو البيولوجية؛ إذ تشتهر هذه المعادلات بصعوبة حلّها.
«في السنوات العشر الماضية، اتضح لي أكثر فأكثر أن قراري كان صائبًا» - جاكي ينج
«في السنوات العشر الماضية، اتضح لي أكثر فأكثر أن قراري كان صائبًا» - جاكي ينج
Credit: IBN
كانت هنسيكر تعلم أن التثبيت الوظيفي من شأنه أن يُعزّز مكانتها في سوق الوظائف، لكنها تقول إن ما يتوجب عليها القيام به للحصول على التثبيت الوظيفي في جامعة للآداب والعلوم، والتقدم إلى وظيفة بحثية كانا (متعارضَين تمامًا). ولذلك ركَّزت هنسيكر أولا على طلبها للتثبيت في وظيفتها التدريسية في جامعة لورانس. وفور حصولها على طلبها، بدأت في جمع موادها البحثية؛ للبحث عن وظيفة أخرى.
في سنة 2005، وبينما كانت هنسيكر تقوم بجولة شهر العسل في إنجلترا، رصدت إعلانًا عن وظيفة شاغرة في جامعة لوفبوره في المملكة المتحدة. وحين سألت أصدقاء بريطانيين لها عن تلك الجامعة، أجابوا بما يودّ كل عالِم رياضيات أن يسمعه: «إنها جامعة معروفة بنشاطاتها الرياضية!»). وقد تقدَّمت إلى الوظيفة بدافع من حَدسها تقريبًا، وفوجئت بأن المعنيين بالأمر حدَّدوا لها مقابلة، ثم تقدّموا بعرض وظيفي. حدث ذلك كله حتى قبل أن تجهِّز طلباتها للتقديم بالجامعات الأمريكية.
كان العبء التعليمي في جامعة لوفبره أخفّ من جامعة لورانس، وشبيهًا بعبء المناصب البحثية الجامعية في الولايات المتحدة، لكن مع فارق جوهري وحيد، تقول عنه هنيسكر: «لقد كنتُ أدرك أنه سيتوجب عليّ المرور بمراحل التثبيت الوظيفي من جديد في الولايات المتحدة؛ أمّا في المملكة المتحدة، فهناك فترة اختبار مدتها ثلاث سنوات، والتوقعات واضحة جدًّا». كانت هنسيكر ستُعيَّن في منصب دائم، بشرط أن تنشر بحثًا علميًّا واحدًا تقريبًا في السنة، وحصولها على تقييمات تعليمية حسَنة من الطلاب، وأن تؤدي حصَّتها من الواجبات الإدارية، كخدمة المجتمعات البحثية.
لا تشعر هنسيكر بالندم لاقتناصها هذا المنصب في لوفبره، وهي حاليًّا عاكفة على بحثها العلمي الخاص، إلى جانب إشرافها على ثلاثة طلاب في مرحلة الدكتوراة.
تقول هنسيكر: «أنا سعيدة جدًّا هنا، بعد أن حصلتُ على وظيفة جيدة مثل وظيفتي السابقة. لِمَ أخوض مراحل التثبيت الوظيفي من جديد؟»، وتتابع هنسيكر بقولها إن عدم وضوح المتطلبات للحصول على التثبيت الوظيفي في الولايات المتحدة الأمريكية أزعجها جدًّا، «لقد كنت أشعر بالقلق حيال أيِّ أمر بسيط قد يعوِّق الأمور، ويطيح بقرار تثبيتي».

أتعبَتها مطاردة المِنَح

في سن السادسة والعشرين، أصبحَت جاكي يِنج أستاذة في الهندسة الكيميائية في معهد ماساتشوستس للتقنية بكمبريدج. وفي سن الخامسة والثلاثين، أصبحت أستاذة جامعية مثبّتة بدوام كامل، ونجمًا صاعدًا في حقل المواد النانوية، وصاحبة أبحاث غزيرة التمويل، لكن نظرًا إلى أن مجموعتها من الباحثين كانت كبيرة ومتنوعة، فقد انصبّت طاقتها بشكل شبه كامل على التقدم بطلبات لجهات مانحة؛ لتواصِل تمويلها. كانت يِنج تُمضي في عملها ما بين 75 و80 ساعة في الأسبوع، وظلَّت تكافح لإيجاد وقت للنشرة الدورية التي كانت تُعِدّها، ولمساعدة الطلاب في إنهاء أطروحاتهم العلمية. ومع ذلك أحبَّت يِنج العالَم الأكاديمي، ولم تكن تسعى إلى تغيير وظيفتها، إلى أن برزت فرصة استثنائية.
في عام 2002، عرضَ عليها فيليب ييو ـ رئيس مجلس إدارة وكالة العلوم والتقنية والبحث العلمي في سنغافورة (A*STAR) حينها ـ أن تدير معهد الهندسة الحيوية وتقنية النانو الجديد. كانت ينج قد عاشت طفولتها في سنغافورة، وتعلم أنها مدينة عالمية يعيش فيها 5.3 مليون نسمة، 38% منهم مغتربون من أنحاء أخرى من العالم.
اصطحب ييو الأستاذة يِنج إلى سنغافورة، وأطلعَها على موقع الحفريات الضخم، الذي كان سيصبح «بيوبولِس Biopolis» مجمّعًا من 9 مبانٍ، يضمّ مختبرات عامة وخاصة، وطاقم عمل من أكثر من 2000 شخص، من بينهم باحثون علميون. إن حكومة سنغافورة تتسم بالطموح، وتُركّز على النتائج، وهي ـ على حدّ قول ينج ـ «حين تريد القيام بشيء، تكرّس الموارد لتنفيذه». وحين تلقَّت ينج عرض ييو، كانت تعلم ما سيحدث في الولايات المتحدة: كان التمويل الأمريكي للباحثين الأفراد يتناقص بتنامي المنافسة بينهمز وتضيف ينج: «في السنوات العشر الماضية، اتضح لي أكثر فأكثر أن قراري كان صائبًا؛ فقد أصبح معدَّل طلبات المنح المقبولة منخفضًا جدًّا».
وبوصفها المديرة التنفيذية لمعهد الهندسة الحيوية وتقنية النانو، تُمضي يِنج وقتًا في العمل على مقالات الدورية العلمية، والتشاور مع مجموعتها من الباحثين، أطول من الوقت الذي كانت تمضيه في معهد ماساتشوستس للتقنية، بالرغم من عملها الإداري. وهي تُدير مشاريع بحثية، كتطوير معدات اختبار تشخيصية مستندة إلى بحوث علمية، تعمل كاختبارات الحَمْل المنزلية، لمراقبة مستوى الجلوكوز أو الكوليسترول، أو الالتهابات، مصرحةً: «إن منهجيتنا في بناء مجموعاتنا البحثية تتمحور حول المشكلة، بدلاً من تمحورها حول الباحث الرئيس».
وتذكر يِنج أنها حين تركت معهد ماساتشوستس للتقنية سنة 2003، اعتقد الناس أنها مجنونة، «ولكن ثمة مِهنة طويلة الأمد كانت تنتظرني». لقد أتاح لها التمويل المضمون في معهد الهندسة الحيوية وتقنية النانو متابعة مشاريع بحثية متعددة التخصصات، ذات تطبيقات في عالم الواقع.. فقد نتجَ عنها أكثر من 120 براءة اختراع. تقول يِنج: «لقد اعتقدتُ فعلاً أنها خطوة مهنية مهمة جدًّا، ستغيّر أسلوبي في البحث العلمي، وفي الحياة كلها».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق